Content on this page requires a newer version of Adobe Flash Player.

Get Adobe Flash player

             

 

النافذة المفتوحة

 تاريخ النشر : 14 / 1 /2019

 الشيخة أسماء الملاح 

أ.د. ابراهيم خليل العلاف 

خاص بـ "الموروث"

كثيرا ما تعودنا في الموصل أن نسمع عن الشيخ فلان ، والشيخ علان ممن كان يفتي أو يقوم بمهام الامامة أو الخطابة أو الوعظ أو التدريس ولم نعتد كثيرا على أن تقوم بكل هذه المهام إمرأة . لذلك أُريد اليوم ، وفي هذه الحلقة أن احدثكم عن واحدة من العالمات الموصليات الفضليات وهي الحاجة والشيخة أسماء الملاح هذه المرأة التي تصدت لتدريس الفقه والحديث وعلوم الدين في الموصل وكانت في هذا تشبه اولئك النساء  اللواتي قمن بهذه المهام واشتهرن في الوطن العربي والعالم الاسلامي واذكر منهن تاج النساء بنت رستم والتي قرأ عليها – كما يقول المرحوم الدكتور عادل البكري – عدد من الطلبة منهم  الفقيه العالم عمر بن عبد المجيد خلف .

اليوم أحدثكم عن عالمة موصلية هي الشيخة أسماء الملاح والتي عاشت في منتصف القرن التاسع عشر الميلادي ، وولدت في محلة الامام عون الدين  سنة 1845 ، وكانت فقيهة ومفتية وهي اسماء احمد الملاح  وهذا اسمها وتنتسب الى اسرة دينية وبيت متواضع من الناحية الاقتصادية عائلة عربية عريقة عُرفت بالتقوى ، والتمسك بأهداب الدين ، وامها تنتسب الى اسرة ال البكري الصديقي الكرام ، وهذا البيت الذي سبق لي ان تحدثت عنه ونبغ منها علماء واطباء وفقهاء وكتاب  ومربين  . كانت اسماء الملاح من ام بكرية ومنذ صغرها كان والدها الملا احمد الملاح يصطحبها لزيارة العلماء والشيوخ في ندواتهم ومجالسهم العلمية وكانت القرآن الكريم  والعلوم الدينية وشيئا من الحساب وقد افادتها زياراتها تلك ، ومصاحبتها والدها في تعلم الكثير من العلوم النقلية والعقلية .

وبعد وفاة والدها تواصلت مع الشيوخ الذين كانت تزورهم ومنهم رئيس العلماء في الموصل ( الشيخ عبد الله العمري)  وبدأت تدرس على يديه حتى نالت الاجازة العلمية منه وكان من نتائج نجاحها وتفوقها ان جلست تدرس الدين والحديث واصبحت واحدة من الفقهاء  ويبدو ان العادات والتقاليد الاجتماعية في الموصل لم تعقها عن ان تمارس دورها الى درجة انها ارتأت ان تلبس ملابس علماء الدين أي الجبة والعمامة وصارت تمارس الافتاء خاصة للنساء اللواتي اخذن يقصدنها في بيتها فكانت لاتقصر في ارشادهن وحل مشاكلهن الدينية والاجتماعية وقد اجتذبت حبهن فكن يصغين اليها بكل اهتمام ويتعلمن منها امور دينهن وحياتهن بكل طاعة وايمان .

اصبح بيت الشيخة والحاجة اسماء الملاح كعبة للنساء وكان بيتها يقع في محلة الامام عون الدين المحلة القريبة من محلة شهر سوق وشارع الفاروق القديم .

ومن الطريف ان مجلس الشيخة اسماء الملاح لم يكن يقتصر على النساء بل كان مجلسا يؤمه علماء الدين ايضا . ولعل من ابرز رواد مجلسها هو قريبها الحاج مصطفى البكري الفقيه المعروف والشيخ عبد الله النعمة رئيس المدرسة الاسلامية والشخصية الدينية المعروفة في مدينة الموصل بتوجهها السلفي .

الشيء الذي اريد ان اقوله ان الشيخة اسماء الملاح كانت معروفة بتمكنها من علوم الفقه والحديث وشديدة التمسك بقضايا الشريعة والعقيدة وكانت النساء الموصليات اللواتي يقصدن مجلسها ينظرن اليها بإحترام شديد وكانت تتمتع فضلا عن تمكنها العلمي والديني بهيبة ووقار شديدين وكانت هي لاتتورع من نصح النساء وتقديم العون للاسر الموصلية وتوجيههم توجيها دينيا واخلاقيا حميدا ومما يروى عنها انها سمعت وهي تسير في المحلة اصوات صراخ ولطم وبكاء وعويل يخرج من احد الدور فدخلت على الفور وهي توجه النسوة بالكف عن لطم الخدود ، وشق الجيوب ورفعت عصاها وهي تصرخ بهن ان يقفن عند حدهن وان يمتنعن عن القيام بمثل هذا السلوك وقالت لهن ان ما يقمن به مخالف للشرع والاسلام يحرم ذلك وطلبت منهن التجمل بالصبر والتأسي بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم حين فقد ولده ابراهيم وقال ان العين تدمع ، والقلب يحزن وانا عليك يا ابراهيم لمحزونون ، وان ليس منا من لطم الخد وشق الجيب .

كانت الشيخة اسماء الملاح على صلة  وثيقة بالملا عثمان الموصلي الشاعر والموسيقار والمتصوف الكبير ، وكانت تحترمه وتجله عارفة بمكانته وبدوره في الحياة الدينية والاجتماعية والثقافية الموصلية وقد اعتاد الملا عثمان الموصلي على زيارتها في بيتها وقد زارها عند عودته من استانبول العاصمة العثمانية حيث كان يقيم لفترة طويلة استغرقت سنينَ وقد كانت تستقبله استقبالا حافلا كما كان اهل الموصل يستقبلونه بحفاوة منقطعة النظير ويتوافدون على زيارته ويستمعون الى ما يرويه عن زياراته لاستانبول وللقاهرة وكان الملا عثمان قد أقام تكية مولوية في الموصل كما كان بارعا في التنزيلات الموصلية والموسيقى وقد حظي بتقدير السلطان العثماني عبد الحميد الثاني 1876 – 1909 ومستشاره الشيخ ابو الهدى الصيادي .

في سنة 1913 وفي اليوم الخامس والعشرين من حزيران عاد الى الموصل وكان اول عمل قام به هو زيارة الشيخة الحاجة أسماء احمد الملاح خاصة بعد ان علم بأنها قد قدمت لتوها من الاماكن المقدسة وادت فريضة الحج وكان اللقاء بينهما حافلا وجرى بينهما حوار طويل عن الدين وعن التصوف وقد أرخ الملا عثمان الموصلي زيارته للشيخة أسماء الملاح ببيتين من الشعر الجميل قال فيهما :

إن طَلبتْ العلم يوما  *** فهو   دأب     وعناءُ

إن أسماءَ تسامت ْ   *** وهي في العلم ِ سماءُ

توجهت الشيخة أسماء الملاح بعد أن كبرت  في السن وامتد بها العمر نحو الزهد والانعزال ، وهذه مسألة طبيعية يحس بها الانسان ويشعر بضرورتها كلما امتد به العمر واستمرت في ذلك حتى وفاتها رحمة الله عليها سنة 1915 (1332 هجرية ) وقد شيع جثمانها الطاهر تشييعا مهيبا شارك فيها جمع كبير من ابناء الموصل وشيوخها وعلمائها ووجهاءها ودفنت في مقبرة العائلة في باب لكش اي في نفس مكان بناية محافظة نينوى السابقة التي هدمت قبل فترة قصيرة وكان على القبر شاهد بإسمها الحاجة أسماء الملاح كما يقول الدكتور عادل البكري الذي زار القبر .

للاسف الشديد لم يكتب الشيء الكثير عن هذه الشيخة العالمة المباركة وممن كتب عنها المرحوم الاستاذ احمد محمد المختار في كتابه ( تاريخ علماء الموصل ) وذلك عند حديثه عن المرحوم الفقيه الحاج مصطفى البكري (  1259-1344 هجرية – 1843- 1926 ميلادية ) .وما قاله :" ان الفقيه الفاضل الحاج مصطفى بن محمد سعيد البكري جد عائلة ال النعمة في الموصل ويرتقي نسبه الى القاسم مفتي المدينة بن محمد بن ابي بكر الصديق رضي الله عنهم اجمعين وهو من اجل حفظة القران الكريم درس على  الشيخ عبد الله الفيضي والحاج عثمان الرضواني وعلى خالته العالمة اسماء بنت ملا احمد الملاح .وكانت هذه عالمة مؤجزة تلبس العمامة والجبة كالعلماء ويجتمع في بيتها رجال الدين والعلماء للدرس والمناظرة يوم الجمعة من كل اسبوع واضاف ان الحاجة اسماء الملاح "نادرة عصرها وقل ان تجد بين النساء من بلغ منزلتها في العلم إلا عددا ضئيلا من فضليات النساء في صدر الاسلام . وقد درست الحاجة اسماء على امها البكرية زوجة ملا احمد ثم فاقت امها واتقنت كثيرا من العلوم واكملت دراستها على رئيس العلماء الشيخ عبد الله العمري حتى تخرجت على يده واخذت الاجازة العلمية منه . وكانت فقيهة ومفتية للنساء وكان ممن يحضر مجلسها الشيخ عبد الله النعمة وابن اختها  الحاج مصطفى البكري وكثيرون غيرهما ويذكرها الكثيرون ممن عاصروها وتوفيت سنة 1332 هجرية الموافقة للسنة 1915 ودفنت في مقبرة ال الملاح بالقرب من منزل الاستاذ رشيد الخطيب .

  لذلك فالحاجة عن الكتابة عن الحاجة اسماء الملاح  باتت ضرورة ملحة ولابد من العودة الى اوراقها وما خلفت من كتابات ووثائق مهمة عسى ان تعطينا صورة متكاملة عن هذه الشيخة وعن حياتها وعن اثرها الديني والفقهي بإعتبارها شخصية نسوية موصلية فذة .

تنبيه

 لايُسمَح لأية صحيفة ورقية او موقع ألكتروني او مدونة او موقع شخصي او صفحة تواصل اجتماعي بإعادة نشر موضوعات او صور مجلة "الموروث" من غير إدراج اسم كاتب الموضوع وكذلك اسم المجلة بصفتها مصدرا ، عملاً بضوابط الملكية الفكرية والأمانة الصحافية.